الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)
وَكَانَ السَّجَّادُ حَامِلَ رَايَةِ أَبِيهِ وَلَمْ يَكُنْ يُقَاتِلُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلِيٌّ قَتْلَهُ وَلِأَنَّهُ مُبَارَزَةٌ لَهُمْ أَوْ يُلَاحِظُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَعْصُومُ الدَّمِ إِلَّا مَا أَجْمَعْنَا عَلَى تَخْصِيصِهِ فَتَوَجَّهَ الْخِلَافُ وَإِذَا اسْتَعَانَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ بِالذِّمَّةِ رُدُّوا إِلَى ذِمَّتِهِمْ وَوُضِعَ عَنْهُمْ مِثْلَ مَا وُضِعَ عَنِ الْمُتَأَوِّلِينَ وَإِنْ قَاتَلَ النِّسَاءُ مَعَ الْبُغَاةِ بِالسِّلَاحِ فَلَنَا قَتْلُهُنَّ فِي الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْنَ إِلَّا بِالتَّحْرِيضِ وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ فَلَا يُقْتَلْنَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلْنَ أَحَدًا بِذَلِكَ وَإِنْ أُسِرْنَ وَقَدْ كُنَّ يُقَاتِلْنَ قِتَالَ الرِّجَالِ لَمْ يُقْتَلْنَ إِلَّا أَن يكن قد قتلن قَالَ الشَّيْخ يُرِيدُ فِي غَيْرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.نَظَائِرُ:قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ يَمْتَازُ قِتَالُ الْبُغَاةِ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَنْ يُقْصَدَ بِالْقِتَالِ رَدْعُهُمُ الْقَهْرِيُّ وَيُكَفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ وَلَا يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُقْتَلَ أَسْرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيهِمْ وَلَا يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بمشرك وَلَا يوادعهم عَلَى مَالٍ وَلَا تُنْصَبَ عَلَيْهِمُ الرَّعَّادَاتُ وَلَا تحرق عَلَيْهِم المساكن وَلَا يقطع شَجَرُهُمْ وَقِتَالُ الْمُحَارِبِينَ قِتَالُ الْبُغَاةِ إِلَّا فِي خَمْسٍ يُقَاتَلُونَ مُدْبِرِينَ وَيَجُوزُ تَعَمُّدُ قَتْلِهِمْ وَيُطَالَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوا مِنْ دَمٍ وَمَالٍ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ حَبْسُ أَسْرَاهُمْ لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِمْ وَمَا أَخَذُوهُ من الْخراج والزكوات لَا تَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ.الثَّانِي:فِي الْجَوَاهِر إِن ولوا قَاضِيا وَأخذُوا الزَّكَاةَ أَوْ أَقَامُوا حَدًّا نَفَّذَ عَبْدُ الْمَلِكِ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلضَّرُورَةِ مَعَ شُبْهَةِ التَّأْوِيلِ وَرَدَّهُ ابْن الْقَاسِم كُله بِعَدَمِ صِحَة الْولَايَة.فرع:قَالَ وَلَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْفِتْنَةِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إِنْ كَانُوا خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ وَأَهْلُ الْعَصَبِيَّةِ وَمُخَالِفِةِ السُّلْطَانِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ يَلْزَمُهُمُ النَّفْسُ وَالْمَالُ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ وَلَا يَضْمَنُ الْمُرْتَدُّونَ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ بَشِيرٍ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَ وَأَنَّ مَا أَتْلَفَتْهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَنَّهُ يُضْمَنُ وَقَالَ (ح) مَا أَتْلَفَهُ الْبُغَاةُ لَا يُضْمَنُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ الدُّخُول بدار الْحَرْب وَبعد اللحوق بدار الْحَرْب يُضْمَنُ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْبُغَاةِ وَعِنْدَ (ش) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ لَنَا فِي الْمُرْتَدِّينَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلْمُرْتَدَّيْنِ مُسَيْلِمَةَ وطليحة وَغَيْرِهِمَا تَدُونُ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ فَقَالَ عُمَرُ وَلَا يَدُونَ قَتْلَانَا وَإِنَّمَا أَصْحَابُنَا عَمِلُوا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَجْرُهُمْ عَلَى اللَّهِ فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَ إِجْمَاعًا وَلَنَا فِي الْبُغَاةِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا - إِلَى قَوْله - فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} وَالْإِذْنُ فِي الْقِتَالِ يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَالسَّبْعِ وَالصَّائِلِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحَرْبِيِّينَ وَلِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمُحِقُّ فَلَا يَضْمَنُ الْمُبْطِلُ كَالْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ احْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ الْبَاقِيَةِ الْعَيْنِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ فِي حَقِّ الْآخَرِ فِي إِتْلَافِ الْعُدْوَانِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا كَغَيْرِ الْبَاغِي وَقِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْقِتَالِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ فِي بَعْضِهِمْ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تَمْتَنِعُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ التَّالِفِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي رَدِّ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْغَرَامَةِ فِي التَّالِفَةِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي بِالْفَرْقِ بِعَدَمِ الْعُذْرِ وَتَحَقُّقِ الْقَصْدِ لِلْفَسَادِ وَهُوَ جَوَابُ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَعَنِ السَّادِسِ أَنَّهُمْ إِذَا امْتَنعُوا كَانُوا أضرّ على الْإِسْلَام فيتلافوا بِإِسْقَاطِ التَّبِعَاتِ إِذَا رَجَعُوا.الرَّابِعُ:قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا حَرِيمُهُمْ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَيُؤَدَّبُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَتُوبَ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا قُتِلَ بِهِ إِنْ كَانُوا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ قَائِمَةٌ اسْتَعَانَ الْإِمَامُ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ عَلَى قِتَالِهِمْ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَيُرَدُّ لِرَبِّهِ إِذَا زَالَتِ الْحَرْبُ وَلَا يُسْتَعَانُ بِشَيْءٍ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَائِمَةٌ وَيُرَدُّ إِلَيْهِمْ أَوْ لِأَهْلِهِمْ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْهُمْ.الْخَامِسُ:قَالَ إِذَا سَأَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْإِمَامَ الْعَدْلَ التَّأْخِيرَ أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ أَوْ يُدْلُوا بِحُجَّةٍ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُمْ وَلَهُ تَأْخِيرُهُمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ مَا لم يقاتلوا فِيمَا أخذُوا أَو يفسدوا فَلَا يُؤَخِّرُهُمْ حِينَئِذٍ.السَّادِسُ:فِي النَّوَادِرِ إِذَا قَتَلَ الْبُغَاةُ أَوِ الْكُفَّارُ رَهَائِنَنَا لَمْ نَقْتُلْ رهائنهم ونردهم اليهم وَكَذَلِكَ فعله مُعَاوِيَةُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ نَسْتَرِقُّهُمْ وَلَا نَرُدُّهُمْ.السَّابِعُ:قَالَ قَتْلَانَا فِي الْقِتَالِ كَالشُّهَدَاءِ وَقَتْلَاهُمْ يُتْرَكُونَ إِنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَإِلَّا دُفِنُوا بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ غير الإِمَام.الثَّامِن:لَا يبْعَث بالرؤس لِلْآفَاقِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ.التَّاسِعُ:مَنْ قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ مِنَ الْبُغَاةِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مِيرَاثُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَجَّلْ مَا أَجَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيحرم.الْعَاشِر:قَالَ إِن ألجأونا إِلَى دَار الْحَرْب لم يجز أَن يغزوا بِمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ.الْحَادِيَ عَشَرَ:قَالَ إِذَا اقْتَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَتَانِ لَا نَقْدِرُ نَحْنُ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَلَا نُقَاتِلُ مَعَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُنْضَبِطِينَ لِلْقِتَالِ الْمَشْرُوعِ.الثَّانِيَ عَشَرَ:إِنْ سَبَوْا مُشْرِكِينَ قَدْ صَالَحْنَاهُمْ حَرُمَ عَلَيْنَا شِرَاؤُهُمْ مِنْهُمْ وَنُقَاتِلُهُمْ لِخَلَاصِهِمْ وَكَذَلِكَ مَنْ صَالَحَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنَ الْكُفَّارِ بِخِلَافِ لَوِ اسْتَعَانُوا بِهِمْ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَة لَيْسَ تَأْمِينًا.تَنْبِيهٌ:الْأَصْلُ فِي الْإِتْلَافِ إِيجَابُ الضَّمَانِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ الْبُغَاةُ تَرْغِيبًا فِي الرُّجُوع إِلَى الْحق والحكام لَيْلًا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي الْوِلَايَاتِ فَتَضِيعَ الْحُقُوقُ.
وَقَوْلِ الْمَعَرِّيِّ: وَآخر الْبَيْت شَدِيد وَدَاخِلٌ فِي الْإِزْرَاءِ وَالتَّحْقِيرِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هُوَ تَشْبِيهٌ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ تَفْضِيلٌ عَلَيْهِ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَشَدُّ وَقَوْلِ الْآخَرِ: وقوا الآخر: فَهَذِهِ وَنَحْوهَا إِن درىء بِهَا الْقَتْلُ فَفِيهَا الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ بِحَسَبِ شَنَاعَةِ الْمَقَالَةِ وَحَالِ الْقَائِلِ فِي نَفْسِهِ فِي كَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ أَوْ لَا وَلَمْ يَزَلِ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا فَأَنْكَرَ الرَّشِيدُ عَلَى أَبِي نواس: وَقَالَ لَهُ يَا بن اللَّخْنَاءِ أَنْتَ الْمُسْتَهْزِئُ بِعَصَا مُوسَى وَأَخْرَجَهُ مِنْ عَسْكَرِهِ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ: لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ وَلَا يُضَافُ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا عُيِّرَ بالفقر فَقَالَ قد رعى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يُؤَدَّبُ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ أَنْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ إِذَا قَالَ فِي قَبِيحِ الْوَجْهِ كَأَنَّهُ وَجْهُ نَكِيرٍ أَوْ عَبُوسٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ يُؤَدَّبُ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالذَّمِّ الْمُخَاطَبَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَمَالِكٍ يَغْضَبُ لِغَضَبِ اللَّهِ فَهُوَ أَخَفُّ أَدَبًا وَكُلُّ مَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ إِذَا نَدِمَ قَائِلُهُ لَمْ يُؤَدَّبْ وَأَمَّا إِنْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ حِكَايَةً عَنِ الْغَيْرِ فَإِنْ كَانَ لِلشَّهَادَةِ أَو للنَّفْي عَنْ قَائِلِهَا لِأَنَّهُ مِمَّنْ يُخْشَى اتِّبَاعُهُ فَحَسَنٌ وَإِلَّا فَلَا يُحْكَى فَإِنَّ التَّفَكُّهَ بِالْأَعْرَاضِ مُحَرَّمٌ وَمَنْ كَانَ مُولَعًا بِذَلِكَ وَرِوَايَةِ هَجْوِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُقْتَلُ وَلَا يَنْفَعُهُ نِسْبَتُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَحُكِيَ الْإِجْمَاعُ فِي تَحْرِيمِ هَجْوِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكِتَابَتِهِ وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُحْرِزُونَ لِدِينِهِمْ مِنْ أَحَادِيثِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ ذَلِكَ وَقَدْ كُرِهَ تَعْلِيمُ النِّسَاءِ سُورَةَ يُوسُفَ لِضَعْفِ مَعْرِفَتِهِنَّ وَلَا يُرْوَى مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُحْتَاجَةِ إِلَى التَّأْوِيلِ إِلَّا الصَّحِيحُ بَلْ كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ مَا لَيْسَ فِيهِ عمل ومشهور الْمَذْهَب قتل العاب حَدًّا لَا كُفْرًا لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ وَعِنْدَ (ح) خِلَافٌ وَالسَّابُّ الْمُعْتَقِدُ حِلَّهُ كَافِرٌ اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ السب كفرا كَالتَّكْذِيبِ وَيُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ حَدًّا فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّابِّ بَلْ شَهِدَ الْوَاحِدُ أَوْ لَفِيفُ النَّاسِ أَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَوْ تَابَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ تَوْبَته فيعزر بِقَدْرِ حَالِهِ وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ مِنَ التَّضْيِيقِ فِي السحن وَشِدَّةِ الْقُيُودِ إِلَى غَايَةِ انْتِهَاءِ طَاقَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ لِضَرُورَتِهِ وَصَلَاتِهِ فَإِنْ أَثْبَتَ عَدَاوَةَ الْبَيِّنَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُبْرَزَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَلَا يُعْرَضُ لَهُ وَإِلَّا اجْتُهِدَ فِي تَنْكِيلِهِ وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ بِغَيْرِ مَا بِهِ كَفَرَ قُتِلَ وَوَقَعَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامٌ وَظَوَاهِرُ ظَاهِرِهَا أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِيمَا بِهِ كَفَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْتَلُ وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلُ سَقَطَ الْقَتْلُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْوِيلِ بِالتَّوْبَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقَائِلِ لَقِيتُ فِي مَرَضِي مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ قِيلَ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى إِلَى الْجَوْرِ وَقِيلَ يُبَالَغُ فِي تَنْكِيلِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الشَّكْوَى لَا السَّبُّ وَأَكْثَرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَالْأَشْعَرِيِّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ إِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا لِأَنَّهُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَصَدُوا التَّعْظِيمَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالرِّسَالَةِ وَالتَّنْقِيصُ لَازِمٌ لمذهبهم وَلَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مَنْ نَفَى الرُّبُوبِيَّةَ أَوِ الْوَحْدَانِيَّةَ أَوْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ أَوْ هُوَ دَهْرِيٌّ أَوْ مَانَوِيٌّ أَوْ صَابِئٌ أَوْ حُلُولِيٌّ أَوْ تَنَاسُخِيٌّ أَوْ مِنَ الرَّوَافِضِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ حَيٍّ أَوْ قَدِيمٍ أَوْ مُصَوَّرٍ أَوْ صَنَعَ الْعَالَمَ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ شَيْءٍ أَوِ ادَّعَى مُجَالَسَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْعُرُوجَ إِلَيْهِ وَمُكَالَمَتَهُ أَوْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ أَوْ قَالَ بِنُبُوَّةِ عَلِيٍّ أَوْ جَوَّزَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْكَذِبَ وَأَنَّهُمْ خَاطَبُوا الْخَلْقَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ قَالَ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ نَذِيرٌ فَإِنَّ فِيهِ تَجْوِيزُ اتِّصَافِهِ بِوَصْفِ الْكُلِّيَّةِ وَنَحْوِهَا مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} أَوْ قَالَ بِتَخْصِيصِ الرِّسَالَةِ لِلْعَرَبِ أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ أَوْ يَصْعَدُ السَّمَاءَ أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا أَوْ قَالَ بِإِبْطَالِ الرَّجْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ أَوْ كَفَّرَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى بُطْلَانِ الدِّينِ أَوْ يَسْعَى لِلْكَنَائِسِ بِزِيِّ النَّصَارَى أَوْ قَالَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ طرقي النَّهَارِ أَوْ قَالَ بِسُقُوطِ الْعِبَادَةِ عَنْ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ أَنْكَرَ مَكَّةَ أَوِ الْبَيْتَ أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ قَالَ الِاسْتِقْبَالُ حَقٌّ وَلَكِنْ لِغَيْرِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ أَوْ يُخَالِطُ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْإِسْلَامِ أَوْ جَحَدَ صِفَةَ الْحَجِّ أَوِ الصَّلَوَاتِ أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ زَادَهُ أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ قَالَ لَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ أَوْ قَالَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مَعْهُودَانِ وَكَذَلِكَ الْقَائِلُ الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ كَغَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ وُجُودِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يُكَفَّرُ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ لِتَوْهِينِ نَقْلِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعَ فَيُكَفَّرُ وَأَمَّا إِنْكَارُهُ الْإِجْمَاعَ الْمُجَرَّدَ الَّذِي لَيْسَ طَرِيقُهُ التَّوَاتُرَ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ عَلَى تَكْفِيرِهِ لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ الْجَامِعِ لِلشَّرَائِطِ.قَاعِدَةٌ:الْكُفْرُ هُوَ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إِمَّا بِالْجَهْلِ بِوُجُودِهِ أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ بِفِعْلٍ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوِ التَّرَدُّدِ لِلْكَنَائِسِ بِزِيِّ النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ أَوْ جَحَدَ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَقَوْلُنَا خَاصٌّ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا انْتِهَاكٌ وَلَيْسَتْ كُفْرًا وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ بِذَلِكَ إِرَادَةَ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ الْكَنَائِسِ لِيُكْفَرَ فِيهَا أَوْ قَتْلِ نَبِيٍّ مَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إِسْلَامِ مَنْ أَتَى يُسْلِمُ وَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ لِلْعَدُوِّ وَإِنْ كَانَ إِرَادَةَ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ حُرْمَةُ اللَّهِ بِدَلَالَةِ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ أَو للْوَلَد فِي أَن الأول كُفْرٌ دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِمْ {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ بِالْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ إِنَّمَا هُوَ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَصِغَرِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي النَّهْيِ وَمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ قَالَ صَاحِبُ الشِّفَا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ أَوْ مُتَكَلِّمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ فَإِنْ جَهِلَ الصِّفَةَ وَلَمْ يُنْكِرْهَا كَفَّرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ لَا يُكَفَّرُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلِيَّ وَحَدِيثُ السَّوْدَاءِ فَأَكْثَرُ النَّاسِ لَوْ كُوشِفُوا عَنِ الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا.فرع:فِي الشِّفَا: إِذَا تَزَنْدَقَ الذِّمِّيّ لَا يقتل عِنْد مَال لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إِلَى كُفْرٍ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ عَلَيْهِ.فرع:قَالَ السَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ مَا عُلِمَ أَنَّهُمَا قَالَاهُ فِي حَالٍ لَا يُمَيِّزَانِ فِيهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَمَا قَالَاهُ فِي حَالِ الْمَيْزِ وَإِنْ فُقِدَ الْعَقْلُ الْمُوجِبُ لِلتَّكْلِيفِ أَدِّبَا وَيُوَالَى أَدَبُهُمَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُؤَدَّبَانِ عَلَى قَبَائِحِ أَفْعَالِهِمَا اسْتِصْلَاحًا لَهُمَا كَالْبَهَائِمِ تُرَاضُ قَالَ الْقَابِسِيُّ إِنْ قَالَ السَّكْرَانُ أَنَا اللَّهُ إِنْ تَابَ أُدِّبَ وَإِنْ عَادَ لِقَوْلِهِ طُولِبَ مُطَالَبَةَ الزِّنْدِيقِ فَإِنَّهُ كُفْرُ الْمُتَلَاعِبِينَ.فرع:قَالَ إِنْ أَتَى بِسَخِيفِ الْقَوْلِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْكُفْرِ وَالِاسْتِخْفَافِ كَالْقَائِلِ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ بَدَأَ الْخَرَّازُ يَرُشُّ جُلُودَهُ أَفْتَى جَمَاعَةٌ بِالْأَدَبِ فَقَطْ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ سَبٌّ هَذَا إِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ أَمَّا الْفَلْتَةُ الْوَاحِدَةُ فَالْأَدَبُ. وَأَفْتَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَائِلِ لِرَجُلٍ لَمَّا نَادَاهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا وَقَالَهُ سَفَهًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ بَعْضِ الْجَاهِلِيَّةِ: وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا تُهَذِّبُهُ الشَّرِيعَةُ وَالْعِلْمُ فَيُعَلَّمَ وَيُزْجَرَ.فَرْعٌ:قَالَ وَكُلُّ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ إِنْ أَجْمَعَتِ الْأَمَةُ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ مَلَكٌ وَإِلَّا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إِلَى الْقَتْلِ بَلِ الْأَدَبِ بِقَدَرِ حَالِ الْمَقُولِ فِيهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانَ الْمَقُولِ إِنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الدَّاسِرِ وَزَرَادَشْتَ الَّذِي تَدَّعِي الْمَجُوسُ وَالْمُؤَرِّخُونَ نبوته وَأما إِنْكَارُ نُبُوَّتِهِ وَكَوْنِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْكِرُ عَالِمًا لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ خلاف أَو جَاهِلا زجر عَن الخوص فِيهِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُؤْمِنُونَ فَضْلًا وَأَنَّ الْمُرْسَلَ مِنْهُمْ مَعْصُومٌ وَاخْتُلِفَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِ الْمُرْسَلِ وَالصَّوَابُ عِصْمَةُ الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ فِي هاروت وماروت وخبرهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ إِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَنْ يَعْصِي وَيَسْتَحَقُّ الْعِقَابَ وَلَا يُعَارِضُ قَوْله تَعَالَى {لَا يعصون الله مَا أَمرهم} يُحْمَلُ عَلَى جُمْهُورِهِمْ وَالْمَعْصُومِينَ مِنْهُمْ وَكَلَامُهُ يُخَالِفُ كَلَامَ الْقَاضِي.فرع:قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ يُقْتَلُ الْقَائِلُ الْمُعَوِّذَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَإِنْ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ بَعْدَ التَّأْوِيلِ فِي صَرْفِهَا لِلْبَاطِلَةِ.فرع:قَالَ مَالِكٌ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَيُشَهَّرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِحَقِّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.السَّادِسَةُ:فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يقتل المتنبي أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أَعْلَنَهُ.السَّابِعَةُ:قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةٌ وَقَدْ يَمُوتُ الْمَسْحُورُ أَوْ يَتَغَيَّرُ طبعه وعادته وَإِن لم يباشره وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَصْحَابُ (ح)إِنْ وَصَلَ إِلَى بَدَنِهِ كَالدُّخَانِ وَنَحْوِهِ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْقَدَرِيَّةُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يعلمُونَ النَّاس السحر} وَمَا لَا حَقِيقَة لَهُ لَا يعلم وَيلْزم صُدُور الْكفْر من الْمَلَائِكَة لِأَنَّهُ قرىء الْملكَيْنِ بِكَسْر اللَّام أَو مَلِكَانِ وَأُذِنَ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ لِيُفَرَّقَ بَيْنَ السَّحَرِ وَالْمُعْجِزَةِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ صَعَدَا إِلَى السَّمَاء وقولهما {فَلَا تكفر} أَيْ لَا تَسْتَعْمِلْهُ عَلَى وَجْهِ الْكُفْرِ كَمَا يُقَالُ خُذِ الْمَالَ وَلَا تَفْسُقْ بِهِ أَوْ يكون معنى قَوْله تَعَالَى {يعلمُونَ النَّاس} أَيْ يَقَعُ التَّعْلِيمُ لَا عَنِ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُمَا {إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُحِرَ فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يخيل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَمَا يَأْتِيهِنَّ الْحَدِيثَ وَقَدْ سَحَرَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَارِيَةٌ اشْتَرَتْهَا وَخَبَرُ السِّحْرِ وَوُقُوعُهُ كَانَ مَعْلُومًا لِلصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ عَقِيبَ كَلَامٍ مَخْصُوصٍ أَوْ أَدْعِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ حَقِيقَةً لَأَمْكَنَ السَّاحِرُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهِ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْخَوَارِقِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ السِّحْرَ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَضْ بِالْخَيَالِ إِلَى السَّعْيِ وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ سِحْرٍ ينْهض إِلَى كل الْمَفَاسِد وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي أَن أَنَّ إِضْلَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِضَبْطِ مَصَالِحِهِمْ فَمَا يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَى السَّحَرَةِ فَكَمْ مِنْ مُمْكِنٍ مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الدُّخُولِ فِي الْعَالَمِ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْحِكَمِ إِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ السَّاحِرُ كَافِرٌ فَيُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ سَحَرَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَالزِّنْدِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ إِنْ كَانَ أَظْهَرَهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ أَصْبَغُ إِنْ أَظْهَرَهُ وَلَمْ يَتُبْ فَقُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنِ اسْتَسَرَّ فَلِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا آمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ أَعْلَمُ وَمِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا الْقُدَمَاءِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنَ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ وَلَا يَلِي قَتْلَهُ إِلَّا السُّلْطَانُ فَإِنْ سَحَرَ الْمُكَاتَبُ أَوِ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ لَمْ يَلِ سَيِّدُهُ قَتْلَهُ بَلِ الْإِمَامُ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ الْمُسْلِمَ سِحْرُهُ فَيَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فَيُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِسْلَامُ وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ مِلَّتِهِ فَيُؤَدَّبُ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا فَيُقْتَلَ بِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَالسَّابِّ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ ذَهَبَ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ سِحْرًا وَلَمْ يُبَاشِرْ أُدِّبَ تَهْدِيدًا لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يُكَفَّرْ وَإِنَّمَا رَكَنَ لِلْكُفْرِ وَأَمَّا حَقِيقَةُ السِّحْرِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ قَطَعَ أُذُنًا ثُمَّ الصقها أَوْ أَدْخَلَ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إِنْ كَانَ سحرًا قتل وَإِلَّا فَلَا وَاخْتلف الْأَولونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ إِلَّا رُقًى أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهُ افْتِرَاقَ الْمُتَحَابِّينَ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ بَلْ يَقَعُ بِهِ التَّغْيِيرُ وَالضَّنَى وَرُبَّمَا أَتْلَفَ وَأَبْغَضَ وَأَحَبَّ وَأَوْجَبَ الصِّلَة وَفِيه أدوية مثل المراءي وَالْأَكْبَادِ وَالْأَدْمِغَةِ فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ عَادَةً وَأَمَّا طُلُوعُ الزَّرْعِ فِي الْحَالِ وَنَقْلُ الْأَمْتِعَةِ وَالْقَتْلُ على الْفَوْر والعمى والصم وَنَحْوُهُ وَتَعَلُّمُ الْغَيْبِ مُمْتَنِعٌ وَإِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَحَدٌ عَلَى مَالِهِ وَنَفْسِهِ عِنْدَ الْعَدَاوَةِ وَقَدْ وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ بَيْنَ السَّحَرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مَا بَلَغَ فِيهِ الْقِبْطُ وَقَطَعَ فِرْعَوْنُ أَيْديهم وأرجلهم وَلم يتمكنوا من الدفاع عَن أنفسهم والهروب والتبديل وَحكى ابْن الْمَجُوسِيّ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَائِنَا جَوَّزُوا أَنْ يَسْتَدِقَّ جِسْمُ السَّاحِرِ حَتَّى يَلِجَ فِي الْكُوَّةِ وَيَجْرِيَ عَلَى خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ وَيَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْتُلَ غَيْرَهُ قَالَ القَاضِي وَلَا يعق فِيهِ إِلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ وَأَجْمَعْتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَصِلُ إِلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَلَا إِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ لَجَازَ هَذَا عَقْلًا إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ كُفْرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِن اعْتقد أَنه تخيل وَتَمْوِيهٌ لَمْ يَكْفُرْ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَصِفُهُ فَإِنْ وَجَدْنَا فِيهِ مَا هُوَ كُفْرٌ كَالتَّقَرُّبِ لِلْكَوَاكِبِ أَو يعْتَقد أَنه تَفْعَلُ مَا يُلْتَمَسُ مِنْهَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ نَجِدْ فِيهِ كُفْرًا فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كُفْرٌ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إِنْ قَالَ سِحْرِي يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَتَلْتُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْإِقْرَارَ وَقَالَ (ح) إِنْ قَالَ قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ قُتِلَ لِأَنَّهُ سَعْيٌ فِي الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَنَا مَفْهُومُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تكفر} أَيْ بِتَعْلِيمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر} وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَو نقُول مَا هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الدُّخُولُ كُفْرًا وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نصدقه قَالَ فَهَذَا معنى قَول أَصْحَابنَا لِأَن السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ إِلَيَّ الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ وَالسِّحَرُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إِذا أَرَادَ سحر سُلْطَان لبرج الْأسد وَالْجَبَابِرَةِ وَالْأُسُودِ أَسْأَلُكَ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ احْتَجُّوا بِأَنَّ تَعَلُّمَ صَرِيحِ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فَالسِّحْرُ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ الْإِنْسَانُ أَنَا تَعَلَّمْتُ كَيْفَ يُكْفَرُ بِاللَّهِ لِأَتَجَنَّبَهُ أَوْ كَيفَ يزنى ويحصن وَلَا أَفْعَلُهُ لَمْ يَأْثَمْ وَالْجَوَابُ لَا نُكَفِّرُهُ بِهِ بَلْ بِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى عِلْمُهُ إِلَّا بمباشرته كضرب الْعود وَنَحْوه عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقْتَلُ كُلُّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.تَنْبِيهٌ:هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا مِنْهَا أَنَّهُمْ يَرْمُونَ الْكَلْبَ بِالْحَجَرِ فَيَعَضُّهُ الْكَلْبُ فَيَجْعَلُ الْحَجْرَ فِي زِيرِ الشُّرْبِ بَعْدَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى مَا أُنْزِلَتْ فَيُحْدِثُ أَثَرًا مَخْصُوصًا وَمِنْ هَذَا النَّحْوِ كَثِيرٌ مِمَّا يَعْتَمِدُهُ الْمَغَارِبَةُ وَكثير من النَّاس فِي الْمحبَّة والبغضة وَالرَّحِيلِ وَالْعَقْدِ عَنِ الْوَطْءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِهِ تَعَالَى مُضَافَةً إِلَى تَضْمِيمِ الْفَاعِلِ عَلَى تَأْثِيرِ ذَلِكَ وَخَاصِّيَّةِ نَفْسِهِ فَتَحْصُلُ تِلْكَ الْآثَارُ وَيُسَمُّونَهُ عِلْمُ الْمِخْلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ تَكْفِيرُهُمْ بِالْقُرْآنِ وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ عِنْدَهَا ذَلِك فَإِنَّهُم جربوه فوجدوه كَالْعَقَاقِيرِ وَلَا لِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ بِغَيْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ فَهِيَ قَرِيبٌ مِنَ الْكُفْرِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ اعْتِقَادَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا تَفْعَلُ بِغَيْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ وَتَبْعُدُ كَثِيرًا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَقْرِيبًا من دَعْوَى إلاهية لَهَا بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَقَرَ عبد كثير وَبِالْجُمْلَةِ وَالتَّكْفِيرُ بِهِ لَيْسَ مُشْكِلًا بَلْ نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةُ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي إِيمَانِهِ قَبْلَ السِّحْرِ كَحَالِهِ بَعْدَهُ وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ فَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ فِي الْحَالِ بِكُفْرٍ مُتَوَقَّعٍ فِي الْمَآلِ كَمَا أَنَّا لَا نَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ وَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ لِأَجْلِ إِيمَانٍ يُتَوَقَّعُ بَلْ لِكُلِّ حَالٍ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ قَبْلَ سَبَبِهِ وَإِنَّ قُطِعَ بِوُقُوعِهِ كَمَا أَنَّا نَقْطَعُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا نُرَتِّبُ أَحْكَامَهُ قَبْلَهُ مِنَ الْفِطْرِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِ الْمُتَرَدِّدِ لِلْكَنَائِسِ وَنَحْوِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا فَافْتَرَقَ الْبَابَانِ فَالَّذِي يَسْتَقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا حَكَاهُ الطَّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنَ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَهُ (ش) وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمُشْكِلٌ فَتَأَمَّلْهُ فَلَيْسَ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ بِسَهْلٍ وَلَا الْقَضَاءُ بِالتَّفْكِيرِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَتَحَسَّرُونَ عَلَيْهَا وَلَقَدْ وَجَدْتُ عِنْدَ بَعْضِ الطَّلَبَةِ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ كُرَّاسًا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَالْبِغْضَةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَتَعَانَاهَا فَأَفْتَى أَصْحَابُنَا بِتَكْفِيرِهِ وَهَذَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَمْرٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ بَلْ تَحْرِيمُ هَذَا الْبَاب مُطلقًا مُشكل إِلَّا بعض تَفْصِيل طلا فَمَنْ سَعَى فِي مَحَبَّةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِغَضَةٍ بَيْنَ زَانِيَيْنِ بِقُرْآنٍ يُتْلَى يَنْبَغِي أَنْ يُجَابَ أَوْ يُنْدَبَ إِلَيْهِ فَضْلًا عَنِ التَّحْرِيمِ.
|